15‏/4‏/2013

كارهو البَشَر


- منقول بتصرف - المصدر : صحيفة العرب اليوم الاردنية 

كارهو البشر هم فئة من الناس الذين يشعرون بالكراهية وعدم الثقة ببقية البشر. ولدى هؤلاء سبب وجيه يدعوهم لهذا الشعور. يكفي أن ننظر إلى الوراء لنتذكر الفظائع التي ارتكبتها البشرية في الماضي، أو حتى الأفعال الشنيعة التي ما زالت تُرتكب حتى اليوم، من حروب وقتل واغتصاب وإبادة واحتلال. إذن ليس من الصعب على كارهي البشر أن يؤسسوا لهم قضية وأن يدافعوا عن وجهة نظرهم.


الفيلسوف الألماني ايمانويل كان عُرف بأنه أحد أشهر كارهي البشر. وإليه يُنسب القول المشهور: "مِن عُود البشرية الأعوج لا يمكن صنع شيء مستقيم أبدا".
وأرسطو اعتبر أن كاره البشر "إما أن يكون وحشا وإما أن يكون إلها". وهذه النظرة نجدها متجسدة في فن عصر النهضة الذي يصور كاره البشر بحالة متوحشة.
الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر كان، هو الآخر، كارها للبشر. عبارته المشهورة "الآخرون هم الجحيم" تختصر نظرته إلى الطبيعة البشرية. لكن ربما كان سارتر يلمح أيضا إلى أن البشر تنقصهم المعرفة الكاملة بالذات. فنحن عادة نميل إلى إسقاط مخاوفنا وهواجسنا المظلمة على الآخرين الذين نرى فيهم أسوأ ما فينا، بدلا من أن ننظر إلى دواخلنا ونواجه عيوبنا ونواقصنا بجسارة.
الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور كان، هو الآخر، مشهورا بكراهيته للبشر. وقد كتب ذات مرة يقول: "إن الوجود الإنساني ما هو إلا نوع من الخطأ. والإنسان في أعماقه ليس أكثر من وحش كاسر. ونحن لا نعرف هذا الوحش سوى في حالته المروضة الني نسميها الحضارة". غير أن شوبنهاور كان يدعو إلى معاملة الآخرين بطريقة كريمة، لأن البشر جميعا متساوون في معاناتهم في هذه الحياة.
إن من السهل علينا أن نفهم كارهي البشر وأن نتفهم أسباب موقفهم لنرى كيف ظهروا ومن أين أتوا. والمسألة تتعلق بنظرتنا إلى الطبيعة البشرية نفسها وطريقة فهمنا لها. يمكننا، مثلا، أن نكون مثل جان جاك روسو الذي زعم أن الطبيعة البشرية نقية وطيبة في الأساس، وأنها لا تنقلب ولا تتبدل إلا من خلال اتصال الفرد بمجتمع قذر وفاسد. ومع ذلك، فنحن جميعا نعرف أننا لسنا ملائكة، وأن المجتمع في النهاية ليس أكثر من مجموعة من الأفراد يتمازجون ويتفاعلون معا.
الفنان الهولندي بيتر بريغل له لوحة مشهورة اسمها كاره البشر. وفيها يظهر رجل يلفه السواد وهو يخطو على أرض تتناثر فوقها المسامير. وفي أسفل اللوحة عبارة يُجريها الرسام على لسان الرجل تقول: "لأن العالم مليء بالشر، أنا ذاهب للحداد". الرجل الكاره للبشر يتعرض للسرقة على يد شخص ضئيل الحجم وباسم الوجه يبرز من كرة زجاجية تمثل العالم.
والمثير للاهتمام هو أن المحفظة التي تتعرض للسرقة مليئة بالنقود، ما يدل على أن الرجل ليس منفصلا تماما عن العالم رغم سخطه عليه. وفي خلفية المنظر يظهر راع مع قطيعه. الرسالة التي أراد بريغل إيصالها هي أنه لا يمكن للإنسان أن ينفصل عن العالم وأنه يجب أن يواجه الصعاب وألا يتخلى عن مسؤولياته. الراعي في اللوحة هو، بنظر الرسام، أكثر تقوى من الرجل الملتحف بالسواد، لأنه بسيط ولأنه يملك إحساسا بالمسؤولية يدفعه لأن يؤدي واجباته في الحياة كما ينبغي.
الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز كان يتبنى وجهة نظر أكثر تشاؤما عن البشرية. كان يؤمن بأن البشر بحاجة إلى توجيه مستمر، وأن القوانين وحدها هي التي تحميهم وتمنعهم من إيذاء بعضهم بعضا. كما كان يرى أنه من دون قوانين وكوابح أخلاقية، فإن كل شيء يتفكك وينهار ويتحول الأفراد إلى وحوش تسرق وتنهب وتقتل وتدمر بلا رادع أو وازع. ومثل هذه الأشياء تحدث في أوقات الأزمات والثورات خاصة. بل قد تحدث حتى عندما ينهزم فريقك المفضل في مباراة مهمة.
وجهة نظر سيغموند فرويد عن الطبيعة البشرية معقدة للغاية. فهو يتحدث عن مبدأ اللذة الذي يدفع الإنسان لإشباع رغباته، بغض النظر عن النتائج. ولدينا، حسب فرويد أيضا، الدافع الجنسي أو الشهوة، والرغبة في إنهاء الحياة. لكن من بين نوازع البشر الأخرى ميلهم للتدمير. ونيتشه يرى أن هذا الدافع الأخير مفيد جدا للبشرية لأنه يقربها من ولادة عصر السوبرمان أو الإنسان المتفوق!
الأمر الذي لا شك فيه هو أن هناك صراعا أبديا بين الخير والشر، ونحن عالقون في الوسط. صحيح أن هناك أفعالا بشرية نبيلة وجيدة، ولكنها تغرق في خضم أفعال الشر الكثيرة.
إن قدرة البشرية على التسبب في الألم والدمار كبيرة بما لا يقاس. بل إننا نسيء حتى معاملة الحيوانات والبيئة. وفي كثير من الحالات نمارس تدميرا ذاتيا بحق أنفسنا.
وإجمالا، من الخطأ أن نعتبر كارهي البشر منعزلين أشرارا أو مرضى نفسانيين. بل على العكس تماما، هم أفراد تحرروا من الوهم وأصيبوا بخيبة أمل كبيرة وهم يرون كيف تسير الأمور على الأرض وإلى أين تمضي البشرية. خطأ هؤلاء، ربما، أنهم كانوا مغرقين في التفاؤل الساذج. وتوقعاتهم عن البشر الآخرين كانت أعلى مما ينبغي. ونسوا أن معظم البشر هم خليط من الخير والشر معا.
المغني بوب ديلن له أغنية مشهورة يقول فيها: "اعتدت أن أهتم بالآخرين، لكن الأمور الآن تغيرت. فالبشر مجانين والزمن غريب. يمكن أن تجرح إنسانا، حتى من دون أن تعرف. وكل الحقائق في العالم تضاف إلى كذبة واحدة وكبيرة".
في الختام، لا يملك الإنسان إلا أن يتمنى أن يكون سقراط والأنبياء على حق عندما قالوا إن الشر ينبع من الجهل وإننا، ببساطة، لا نعرف ما نفعله.
الفيلسوف الألماني ايمانويل كان عُرف بأنه أحد أشهر كارهي البشر. وإليه يُنسب القول المشهور: "مِن عُود البشرية الأعوج لا يمكن صنع شيء مستقيم أبدا".وأرسطو اعتبر أن كاره البشر "إما أن يكون وحشا وإما أن يكون إلها". وهذه النظرة نجدها متجسدة في فن عصر النهضة الذي يصور كاره البشر بحالة متوحشة.الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر كان، هو الآخر، كارها للبشر. عبارته المشهورة "الآخرون هم الجحيم" تختصر نظرته إلى الطبيعة البشرية. لكن ربما كان سارتر يلمح أيضا إلى أن البشر تنقصهم المعرفة الكاملة بالذات. فنحن عادة نميل إلى إسقاط مخاوفنا وهواجسنا المظلمة على الآخرين الذين نرى فيهم أسوأ ما فينا، بدلا من أن ننظر إلى دواخلنا ونواجه عيوبنا ونواقصنا بجسارة.الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور كان، هو الآخر، مشهورا بكراهيته للبشر. وقد كتب ذات مرة يقول: "إن الوجود الإنساني ما هو إلا نوع من الخطأ. والإنسان في أعماقه ليس أكثر من وحش كاسر. ونحن لا نعرف هذا الوحش سوى في حالته المروضة الني نسميها الحضارة". غير أن شوبنهاور كان يدعو إلى معاملة الآخرين بطريقة كريمة، لأن البشر جميعا متساوون في معاناتهم في هذه الحياة.إن من السهل علينا أن نفهم كارهي البشر وأن نتفهم أسباب موقفهم لنرى كيف ظهروا ومن أين أتوا. والمسألة تتعلق بنظرتنا إلى الطبيعة البشرية نفسها وطريقة فهمنا لها. يمكننا، مثلا، أن نكون مثل جان جاك روسو الذي زعم أن الطبيعة البشرية نقية وطيبة في الأساس، وأنها لا تنقلب ولا تتبدل إلا من خلال اتصال الفرد بمجتمع قذر وفاسد. ومع ذلك، فنحن جميعا نعرف أننا لسنا ملائكة، وأن المجتمع في النهاية ليس أكثر من مجموعة من الأفراد يتمازجون ويتفاعلون معا.الفنان الهولندي بيتر بريغل له لوحة مشهورة اسمها كاره البشر. وفيها يظهر رجل يلفه السواد وهو يخطو على أرض تتناثر فوقها المسامير. وفي أسفل اللوحة عبارة يُجريها الرسام على لسان الرجل تقول: "لأن العالم مليء بالشر، أنا ذاهب للحداد". الرجل الكاره للبشر يتعرض للسرقة على يد شخص ضئيل الحجم وباسم الوجه يبرز من كرة زجاجية تمثل العالم.والمثير للاهتمام هو أن المحفظة التي تتعرض للسرقة مليئة بالنقود، ما يدل على أن الرجل ليس منفصلا تماما عن العالم رغم سخطه عليه. وفي خلفية المنظر يظهر راع مع قطيعه. الرسالة التي أراد بريغل إيصالها هي أنه لا يمكن للإنسان أن ينفصل عن العالم وأنه يجب أن يواجه الصعاب وألا يتخلى عن مسؤولياته. الراعي في اللوحة هو، بنظر الرسام، أكثر تقوى من الرجل الملتحف بالسواد، لأنه بسيط ولأنه يملك إحساسا بالمسؤولية يدفعه لأن يؤدي واجباته في الحياة كما ينبغي.الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز كان يتبنى وجهة نظر أكثر تشاؤما عن البشرية. كان يؤمن بأن البشر بحاجة إلى توجيه مستمر، وأن القوانين وحدها هي التي تحميهم وتمنعهم من إيذاء بعضهم بعضا. كما كان يرى أنه من دون قوانين وكوابح أخلاقية، فإن كل شيء يتفكك وينهار ويتحول الأفراد إلى وحوش تسرق وتنهب وتقتل وتدمر بلا رادع أو وازع. ومثل هذه الأشياء تحدث في أوقات الأزمات والثورات خاصة. بل قد تحدث حتى عندما ينهزم فريقك المفضل في مباراة مهمة.وجهة نظر سيغموند فرويد عن الطبيعة البشرية معقدة للغاية. فهو يتحدث عن مبدأ اللذة الذي يدفع الإنسان لإشباع رغباته، بغض النظر عن النتائج. ولدينا، حسب فرويد أيضا، الدافع الجنسي أو الشهوة، والرغبة في إنهاء الحياة. لكن من بين نوازع البشر الأخرى ميلهم للتدمير. ونيتشه يرى أن هذا الدافع الأخير مفيد جدا للبشرية لأنه يقربها من ولادة عصر السوبرمان أو الإنسان المتفوق!الأمر الذي لا شك فيه هو أن هناك صراعا أبديا بين الخير والشر، ونحن عالقون في الوسط. صحيح أن هناك أفعالا بشرية نبيلة وجيدة، ولكنها تغرق في خضم أفعال الشر الكثيرة.إن قدرة البشرية على التسبب في الألم والدمار كبيرة بما لا يقاس. بل إننا نسيء حتى معاملة الحيوانات والبيئة. وفي كثير من الحالات نمارس تدميرا ذاتيا بحق أنفسنا.وإجمالا، من الخطأ أن نعتبر كارهي البشر منعزلين أشرارا أو مرضى نفسانيين. بل على العكس تماما، هم أفراد تحرروا من الوهم وأصيبوا بخيبة أمل كبيرة وهم يرون كيف تسير الأمور على الأرض وإلى أين تمضي البشرية. خطأ هؤلاء، ربما، أنهم كانوا مغرقين في التفاؤل الساذج. وتوقعاتهم عن البشر الآخرين كانت أعلى مما ينبغي. ونسوا أن معظم البشر هم خليط من الخير والشر معا.المغني بوب ديلن له أغنية مشهورة يقول فيها: "اعتدت أن أهتم بالآخرين، لكن الأمور الآن تغيرت. فالبشر مجانين والزمن غريب. يمكن أن تجرح إنسانا، حتى من دون أن تعرف. وكل الحقائق في العالم تضاف إلى كذبة واحدة وكبيرة".في الختام، لا يملك الإنسان إلا أن يتمنى أن يكون سقراط والأنبياء على حق عندما قالوا إن الشر ينبع من الجهل وإننا، ببساطة، لا نعرف ما نفعله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لمشاركتكم
ان مدونون من أجل حقوق الانسان ترحب بمشاركاتكم و تشجع عليها و تحتفظ بحقها في نشر او عدم نشر اي تعليق لا يستوفي شروط النشر وتشير الى ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء مدونون من أجل حقوق الانسان وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً. شروط النشر: ان مدونون من أجل حقوق الانسان تشجّع قرّاءها على المساهمة والنقاش وابداء الرأي وذلك ضمن الاطار الأخلاقي الراقي بحيث لا تسمح بالشتائم أو التجريح الشخصي أو التشهير. كما لا تسمح بكتابات بذيئة او اباحية او مهينة كما لا تسمح بالمسّ بالمعتقدات الدينية او المقدسات.

إبحث / تصفح / إستعرض الموقع من خلال المواضيع

اجندة حقوق الانسان (1) احزاب (21) اديان (12) إصلاح (61) إضراب (3) اطفال (19) اعتقالات (2) اعدام (1) إعلام (24) اعلان (11) اغاثة (7) أفلام (32) الاردن (54) الإمارات (3) الامم المتحدة (2) الانتخابات (6) الإنترنت (7) الانسان العربي (28) البحرين (1) البطالة (1) البيئة (4) التمييز العنصري (22) الحروب (3) الحرية (4) الشباب العربي (18) الشرق الاوسط (18) الشفافية (3) العدالة (5) العدالة الإجتماعية (69) العراق (6) العشائرية (2) العنف (12) العنف الجامعي (3) الغام (1) المرأة (6) المغرب (1) الملكية الدستورية (2) اليمن (1) اليوم العالمي (5) اليوم العربي (2) أنظمة (36) برامــج (18) بروشورات (4) تدوين (11) تراجيديا (19) تعذيب (18) تعليم (22) تقارير (5) تنمية (4) ثورات الغضب الشعبية (69) ثورة العبيد (2) جامعات (4) جرائم ضد الانسانية (31) جوائز حقوق الانسان (2) حريات (14) حرية تعبير (8) حزب الخضر الأردني (12) حقوق الاقليات (1) حقوق الانسان (92) حقوق الحيوانات (1) حقوق اللاجئين (5) حقوق المعاقيين (2) حقوق المواطنة (4) حقوق تائهة (12) حملات تضامنية (55) خواطر (59) دليل دراسي (5) ديمقراطية (11) رسائل (6) سلام (3) سلسلة (19) سوريا (40) سياسة (12) شعر و أدب إنساني (10) صور (39) عقوبة الإعدام (1) عنف (8) فساد (14) فكر (6) فلسطين (13) قانون (12) قضايا مجتمع (108) كتب (13) ليبيا (8) مدونة سلوك (1) مذاهب سياسية (2) مصر (9) مصطلحات حقوقية (13) مظاهرات (5) معاهدات و اتفاقيات (2) مقالات المحرر (49) منح (1) منقول (32) نشطاء (8) وثائق (15) ورش عمل (7) ويكيليكس (2) ENGLISH (7)