الأردن نموذجاً
من الفداحة لاي مجتمع بشري انطوى تحت حكم غير ديمقراطي لفترة طويلة من الزمن أن يطالب بأعراف و تقاليد ديمقراطية تحت ذريعة المطالبة بالاصلاح ؟
فالديمقراطية ليست حقا بالمفهوم العام يكتسب بالهبة بقدر ما هي اسلوب و ممارسة تحكم سلوك الافراد و الجماعات و الدول , تبنى على مبادىْ و اسس تتضمن :
تعبيراً مسئولا عن الراي .
احتراماً إلزامياً لأراء الاخرين بغض النظر عن القبول أم الرفض .
و هذا التعبير و ما يوازيه من إحترام إلزامي لا يمكن منحهما للمواطنين كمكرمة ملكية أو علاوة على راتب ديا . و انما هي موروثات سلوكية تلقن تلقيناً في المدارس و المعاهد و الجامعات مثلها مثل المواد الدراسية .
و الديمقراطية لا تمثل سلوكا بشريا فقط و انما تمثل تراكماً ثقافياً و علمياً لدى الفرد و مواطني المجتمع , تنمو و تترعرع ضمن خطين متوازيين يعيشهما الفرد و المجتمع معاً .
فأما الخط الاول فهو ما تعلمه في المدارس من ابجديات حقوق الانسان و كيف تنمو معه مفاهيم الديمقراطية من :
1- توعية بماهية الاحترام .
2- ماهية الحقوق الطبيعية و القانونية للفرد و الجماعة .
3- كيفية استخدامها بما يمنع التعسف في استخدام الحق.
4- ماهية إلزام إحترام الراي الاخر .
و الخط الثاني : أن تطبيق الممارسات و الادارة الديمقراطية داخل المجتمع تتطلب تبني اجندة وطنية شاملة باتت تعرف في الدول النامية تحت إسم " مبادىْ الحاكمية الرشيدة " و هذا ما تبناه الاردن على سبيل المثال قبل اندلاع ربيع الاعتصامات و لو تحركت وزارة التنمية السياسية في الاردن بشكل نشط و فعال لتدارك الاردن الكثير من المواقف المحرجة . حيث تعني هذه المبادىء ببساطتها : النزاهة و الشفافية و المسائلة . و هو ما يعني عمليا القضاء على المحسوبية و المساواة و اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص و مكافحة الفساد و ما الى ذلك من مطالب باتت الان تشكل مطلبا اساسيا يتبناه الاصلاحييون في الأردن .
اما ان يأي فرد أو جماعة او حتى المجتمع برمته و يطلب تطبيقا للاعراف و التقاليد الديمقراطية كمنهج سياسي و اجتماعي و اقتصادي للبلد بدون وجود ثقافة حقوقية مسبقة , فهذا ضرب من الجنون ليس له مثيل ... و حسبي ان مجتمع الملائكة المعصوم عن الخطأ لم يطلب بما يطلبه المجتمع الأردني او بالاحرى كا تطلبه التيارات و القوى السياسية الان .
فالاعراف الديمقراطية اشبه ما تكون بالمخدرات التي تستعمل بوصفة طبية يضعها طبيب اختصاصي و ضمن جرعات محددة تزداد تدريجيا لضمان كفاية الجسم من احتياجاته و هكذا الديمقراطية حيث يتم التوسع في تطبيق مبادىء الديمقراطية ضمن مراحل و الانتقال من مرحلة الى مرحلة بالتدريج لضمان تطبيق سليم و امثل لأعرافها و سلوكها لدى الافراد و الجماعات و داخل المجتمع .
فالديمقراطية سلاح خطير جدا ذو حدين فهو ان يحول المجتمع الى مجتمع سليم -صحي و خال من الامراض الاجتماعية و الادارية و الاقتصادية و غما ان يحوله الى مجتمع ذو فوضى خلاقة غالبا ما تنتهي جرعته الزائدة بحرب اهلية كما حصل في لبنان و الصومال و السودان و العراق . عندما اصبحت مجتمعات تلك الدول بين ليلة و ضحاها بدون مرجعية قوية تضمن المساواة و العدالة للجميع .
و حذار كل الحذر من المناداة بتطبيق شامل و سريع لحرية الرأي و التعبير داخل المجتمع الاردني كما يطالب به بعض دعاة الاصلاح - بغض النظر عن اسمائهم و انتماءاتهم السياسية و بغض النظر عن ثقافتهم و تحصيلهم العلمي- تحت ذريعة المطالبة بالاصلاح , بدون وضع ضوابط منظمة , لضمان حماية المجتمع الأردني من الإنزلاق في مستنقع وحل كالذي سقط في المجتمع العراقي و بعض المجتمعات العربية الاخرى نتيجة لذلك التسرع , و البديل عن ذلك التسرع يكمن في ضرورة اتفاق اكبر عدد ممكن من وجهات نظر دعاة الاصلاح حول خطورة الموقف و المنزلق الذي قد ينزلفق اليه المجتمع الاردني , و ان الحاجة باتت ملحة اكثر من اي وقت مضى لاعادة تبني سياسة " الحاكمية الرشيدة " التي سبق للدولة الأردنية أن طرحتها في وقت سابق , تفادياً لمنعطف تاريخي خطير يضع الجميع أمام مسئولياتهم الاخلاقية و الادبية .
و مكمن خطورة الانزلاق فيما لو فتح باب حرية الراي و التعبير على مصراعيه داخل المجتمع الاردني من خلال السماح بالاعتصامات المتكررة من باب حرية الراي و التعبير . انه بات لا يوجد رأي واحد يتفق عليه الجميع او الاغلبية , و لم تقتصر الخطورة عند هذا الحد بل تعدى ذلك الى عدم تحمل كل طرف لمسئوليته الاخلاقية و الادبية في ضرورة احترام راي الطرف الاخر المعارض , فظهرت مصطلحات " البلطجية " و" الوطن البديل " و " السامية العشائرية " و " الإس " و هذا يعتبر مؤشر خطير داخل المجتمع الاردني ذو النزعة العشائرية و التعددية السياسية و الفكرية .
و الحل الامثل لتفادي هذا المنزلق الخطير الذي يكاد لا يرى المعتصمون و صناع القرار مستقبله باستثناء التفكير بما سيطلقه كل طرف تجاه الأخر , هو بالاتفاق على ضرورة الوصول الى حد ادنى من التوافق و الاتفاق حفاظا على استقرار الوطن .
فالمعتصمون لا يصنعون مستقبلاً و انما يحدثون تغييراً و هذا التغيير لا يمكن الجزم بايجابياته او سلبياته كون حيثياته و نتائجه لا يعلمها الا الله و من ذلك لو كان العراقييون و اللبنانيون واي مجتمع اخر انزلق الى الهاوية يعلمون بنتائج التغيير فاني اجزم بانهم ما كانوا ليفعلوا هذا التغيير من الاساس .
و على المسار الموازي من ذلك فان الدولة الاردنية يتوجب عليها ان ترتقي الى مستوى وعي الشعب و تستمع لمطالبه بجدية و تدرك ان الوقت حان للتغيير الايجابي بقبول و رضا تاميين لجميع الاطراف ... فوثيقة العهد التي يتوجب ان تحكم الاردنيين هي اقوى بكثير من وثيقة الامارة و السلطة و هي اكبر بكثير من اعلان حقوق الانسان العالمي ... هي بكل بساطة وثيقة عقد اجتماعي منظم .
بعض الأمثلة الواقعية من المجتمع الأردني حول : خطوات و عقبات تطبيق مبادىْ الديمقراطية في الأردن
تنويه :
لا يمكننا حصر ما حققه الاردن من خطوات ايجابية او سلبية في مجال التطبيق العملي للاعراف الديمقراطية و لكننا نوجز بعض مشاهداتنا من نبض الشارع و من صميم المشهد السياسي العام .
1- المجتمع الاردني ( من خلال وزارة التربية و التعليم و من خلال مبادرة التلقين الذاتي للفرد ) لا يتبنيان سياسة تعليمية تتضمن ابجديات حقوق الانسان و تكتفي الجامعات فقط باعطاء مادة غير منهجية في تحت عنوان " حقوق الانسان " و هي لا تحقق اي فائدة تذكر للطالب لكون المقرر عبارة عن معرفة و سلوك تطبيقي و ليس معرفة تراكمية فقط .
2- الدولة الأردنية أقرت رفع الأحكام العرفية و هي تطبيق ديمقراطي و لكن لم يقابله الحد من سلطة الملك المطلقة . و هذا تطبيق خاطىْ و غير عملي نرى انعكاساته حاليا من خلال المطالبة بالملكية الدستورية .
4- الدولة الأردنية لم تراعي مرحلة الانتقال من مجتمع عرفي الى مجتمع ديمقراطي بعد رفع قانون الاحكام العرفية و تمثل ذلك بعدم وجود قوانيين مفعلة لمكافحة الفساد و البيروقراطية و الترهل الاداري . بالاضافة الى عدم مكافحة مبدأ توريث المناصب بعد ان استطاعت الدولة تبديل الحرس القديم " رموز الحقبة العرفية ".
5- الدولة الأردنية أقرت الانتقال الى الحياة البرلمانية و هي تطبيق ديمقراطي و لكن قانون الانتخاب المطبق و توغل السلطة الننفيذية ( الفقرة الثانية ) كان يحد من استقلالية مجلس النواب و كفائته .
6- الدولة الاردنية أقرت رعاية و تنمية الحياة السياسية من خلال تاسيس وزارة متخصصة لهذا الغرض و السماح بتاسيس الاحزاب و دعمها ماليا و هذا اجراء ديمقراطي ممتاز ولكن سياسة الشد العكسي من البطانة المحيطة بالملك ( لعدم وجود قناعة تامة باهمية العمل الحزبي ) و بسبب عدم الترويج الرسمي للعمل الحزبي قلص من دور و فاعلية الاحزاب و وجودها في المشهد السياسي العام في وقت يعتبر فيه الاردن من اكثر دول العالم حاجة للاحزاب لحاجته الى تظافر جميع الجهود من اجل السير قدما في استحداث تنميته الشاملة .
7- تقليص دور العشائرية في المشهد السياسي كمتطلب من متطلبات بناء الدولة المدنية – الحديثة حيث يحظى الفرد بحقوق كانت ستكون محدودة جدا بل و معدومة في ظل تنامي دور العشائرية .
8- تبنى الأردن تطبيق مبادىْ الحاكمية الرشيدة كاجندة وطنية و لكن وزارة التنمية السياسية الى جانب وسائل الاعلام لم تروجا ترويجا اعلاميا كافيا و تقدما شرحا وافيا لماهيتها و ايجابياتها .
9- تبنت الدولة الأردنية سياسة عدم التمييز العنصري و مكافحتها من جذورها رغم وجود قوى شد عكسية ممثلة بثقافة مجتمع متجذرة لدى فئات غير قليلة . و هذا إجراء و تطبيق ديمقراطي عملي و ممتاز من جانب الدولة تمثل ذلك بطرح مبادرات ممتازة مثل : الأردن أولا و كلنا الأردن التي وضعت معايير صحيحة للمواطنة الحقيقية التي تعتمد على ما يقدمه المواطن لبلده و مجتمعه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا لمشاركتكم
ان مدونون من أجل حقوق الانسان ترحب بمشاركاتكم و تشجع عليها و تحتفظ بحقها في نشر او عدم نشر اي تعليق لا يستوفي شروط النشر وتشير الى ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء مدونون من أجل حقوق الانسان وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً. شروط النشر: ان مدونون من أجل حقوق الانسان تشجّع قرّاءها على المساهمة والنقاش وابداء الرأي وذلك ضمن الاطار الأخلاقي الراقي بحيث لا تسمح بالشتائم أو التجريح الشخصي أو التشهير. كما لا تسمح بكتابات بذيئة او اباحية او مهينة كما لا تسمح بالمسّ بالمعتقدات الدينية او المقدسات.