نادراً ما تناقش المجتمعات الديمقراطية تفاصيل قوانينها الانتخابية و
اّلية توزيع مقاعدها البرلمانية تاركة هذه المسائل و التعديلات لما يواكب تطور
الفكر البشري و النظام الإجتماعي لديها , بينما ما زلنا في الأردن نناقش تفاصيل
القانون الانسب و نقف كثيراً عندها ؟
فعملية
اخراج قانون إنتخابات مثالي يلبي طموح الاردنيين بحيث يكون مراّة حقيقية لهم ( فيما
لو إفترضنا قيام نهضة إجتماعية للمطالبة بنهضة برلمانية حقيقية ) ليست بالعملية الصعبة و القيصرية فيما لو أشرف على
ولادتها لجنة مستقلة يتصف أعضائها بالمهنية و النزاهة و الحيادية , تستند في هديها
الى فكر ديمقراطي تنموي يقدم المصلحة العامة للوطن ككل , تؤسس لقانون إنتخابات يسهل
و ينمي العملية الإنتخابية بما يساعد على تمكين صفوة و نخبة المجتمع من خدمة الوطن
.
لا أن
تستند الى إجتهادات سياسية و صكوك ولاءات و جوائز ترضية كطابع روحي يغلب على القانون
الإنتخابي .
و يجدر
بنا قبل الخوض في مثالية القانون الأنسب لمجتمعنا و التوزيع الأمثل لمناطقه أن نخوض
في روح قانون الإنتخاب لدينا و هي مسألة أهم من تفاصيل القانون ذاته و هي مسائل
تتعلق بالغاية من القانون و المعايير التي إستند إليها المشرع عند صياغة تفاصيله ,
فهي لب القانون و من خلالها تتضح رؤية و غاية المشرع من القانون و معرفة طبيعته ,
هل هو قانون تنمية سياسية ام قانون وصاية سياسية للوقوف على دور و مكانة صوت
المجتمع و ناخبيه.
فروح
القانون و سهولة ولادة قانون إنتخابي مثالي مرهونان بتذليل عقبات رئيسية ثلاث لا
ينفك المشرع الأردني و أصحاب القرار يدوران في فلكهما, عنوانها عقدة و نظرية التبعية التي تكاد تكون
متلازمة مع كل القوانيين العاملة و النافذة في الأردن و التي يمكن حصرها تفصيلاً ب
:
- عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى صانعي القرار بإخراج قانون إنتخابي مثالي لأن وجود قانون مثالي سيساعد في المستقبل القريب على وجود أذان منصتة و عيون منفتحة و لسان ناطق و هو ما يمكن وصفه بالمجلس النيابي الناجح .
- إلغاء صكوك الولاءات من روح قانون الإنتخابات يتطلب تعاوناً من شيوخ العشائر الأردنية و المتنفذين لتقديم تنازلات مكتسبة ( مقاعد نيابية محددة بالعدد و بالاسم احياناً لابناء المنطقة و العشيرة ) لتغليب روح المصلحة العامة .
- إخراج قانون يتطلب مزيدا من الوعي بين المواطنين بحيث يجد مبدأ تغليب المصلحة العامة مكانا له , فممارسة العملية الانتخابية الشاملة و عملية إختيار المرشح لا تقل أهمية عن القانون ذاته بل تفوقه اهمية في بعض الاحيان .
إن تذليل
العوامل السابقة ( وجود الارادة و تقديم التنازلات و الوعي المتزايد ) سيساعد يقيناً
على إخراج قانون إنتخابات مثالي ذو معايير محققة للإنتخابات النزيهة و الحرة حتى و إن لم نتلمس نتائجه من دورة او دورتين إنتخابية ( لحين ترسيخ مفاهيم و قيم النزاهة و الشفافية و
ترسب ثقافة تغليب المصلحة الخاصة), الا انه
يقيناً سيجد النور يوماً ما .
يومها
سنجد كم هي العملية الإنتخابية سهلة و محفزة للتنمية السياسية و البرلمانية .
أليس
من السيْ ان يكون للعاصمة عمان التي تضم أكثر من ربع سكان الاردن تقريباً اقل من
ربع مقاعد مجلس النواب !!!
أليس
من السيْ أن يكون لمنطقة تعدادها السكاني اكثر من مائة و عشرين الف ناخب مقعد نيابي
واحد كما في منطقة الأغوار الشمالية و الغريب أن هذه المنطقة تحديداً تحتاج الى عناية
أكثر من غيرها من برامج تنمية مما يعطي مؤشراً مهماً أن مشرع قانون الإنتخابات لم
يراعي التوزيع العادل و عامل التنمية البشرية .
أليس
من السيء أن نسمع عن وجود منحة للقائمة حزبية تضم خمسة عشر مقعداً او خمسين و التنمية
السياسية النموذجية لأي مجتمع تنادي بضرورة أن تقود الأحزاب العملية الانتخابية الى جانب المرشحيين
المستقليين من المواطنيين .
أليس
من السيء أن نسمع عن مصطلح ( تخصيص مقاعد للشركس و الشيشان و مقاعد للمسيحيين –
النساء ) كمؤشر يعطي إنطباع لنا بأننا نعيش في دولة فصل عنصري و ان هنالك أقليات و
طوائف و تمييز ضد النساء و ضد البعض ينبغي العمل على وأدها من خلال رفع شانها و
إبرازها نيابياً ) مع العلم ان المشرع
الأردني زيًن الدستور الاردني بعبارات جميلة تنظر الى جميع المواطنيين و تعاملهم على
قدر واحد من المساواة في الحقوق و الواجبات . خصوصا اذا ما علمنا ان صوت المواطن
الشيشاني او الشركسي أو المسيحي سيذهب تلقائيا لصالح مرشحه الذي ينتمي اليه !!!
أليس
من السيْ عدم وجود شروط خاصة للمرشحيين تميز الكفاءة و النزاهة في قوانيننا
الانتخابية تساعد على تمكين النائب الكفؤ من تمثيل الأردن قبل أن يكون ممثلاً
لمنطقته , و في المقابل ما زال القانون يذكر شرط جباية مبلغ معين من النائب كاحد
شروط الترشح !!! في مقارنة مجازية لرؤية المشرع !!!
كثيرة
هي السيئات في قوانيننا الإنتخابية التي لم تراعي تطور فكرنا البشري و لم تراعي
إستحقاقات الوعي المتزايد للمجتمع و تطلعاته التي تم تبنيها فقط بعبارات جميلة من
خلال الدستور و غابت عن التطبيق على أرض الواقع .
سنحت
لنا الفرصة مؤخراً برؤية قانون أنتخابات أردني و لكنه للأسف كان مليئاً بالثغرات و
بالتعديلات الشكلية في محاولة للإلتفاف على المثالية الواقعية للقوانيين النزيهة و
الحرة و إصرار على بقاء روح قانون الأنتخابات مستمد من مفهوم الراعي و الغنم !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا لمشاركتكم
ان مدونون من أجل حقوق الانسان ترحب بمشاركاتكم و تشجع عليها و تحتفظ بحقها في نشر او عدم نشر اي تعليق لا يستوفي شروط النشر وتشير الى ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء مدونون من أجل حقوق الانسان وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً. شروط النشر: ان مدونون من أجل حقوق الانسان تشجّع قرّاءها على المساهمة والنقاش وابداء الرأي وذلك ضمن الاطار الأخلاقي الراقي بحيث لا تسمح بالشتائم أو التجريح الشخصي أو التشهير. كما لا تسمح بكتابات بذيئة او اباحية او مهينة كما لا تسمح بالمسّ بالمعتقدات الدينية او المقدسات.