تساءل الكاتب البريطاني -من أصل باكستاني- طارق علي عمن يعيد صياغة العالم العربي، الشعب أم الولايات المتحدة الأميركية. وقال إن المرحلة الأولى من ربيع العرب انتهت، أما المرحلة الثانية وهي محاولة سحق واحتواء الحركات الشعبية الحقيقية فقد بدأت.
واستهل الكاتب مقاله بصحيفة غارديان بالقول إن خليط المشهد السياسي في العالم العربي من "ملكيات عميلة، ودكتاتوريات قومية ومحطات بترول خليجية"، جاء نتيجة تجربة مكثفة للاستعمار الفرنسي الإنجليزي.
وعندما وضعت الحرب الباردة أوزارها، تولت الولايات المتحدة أمور المنطقة، عبر حكام محليين ومن ثم قواعد عسكرية واحتلال مباشر.
ولم تدخل الديمقراطية في هذا الإطار، وهو ما أظهر الإسرائيليين على أنهم واحة النور في قلب ظلام العرب، فكيف تأثر كل ذلك بانتفاضة العرب التي بدأت قبل أشهر؟ يتساءل الكاتب.
في يناير/كانون الثاني، دوت الشوارع العربية بشعار وحّد الجماهير بصرف النظر عن الطبقة أو العقيدة، وهو "الشعب يريد إسقاط النظام"، وتدفقت صور الشعوب العربية من تونس والقاهرة وصنعاء والمنامة، وقد وقفت الشعوب على أقدامها.
ويلفت الكاتب إلى أن العاملين الأساسيين وراء تلك الانتفاضات يتمثلان في الاقتصاد من حيث البطالة وارتفاع الأسعار، والسياسة من حيث المحسوبية والفساد والقمع والتعذيب.
ويقول إن مصر والسعودية كانتا الركنين الأساسيين للإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وهو ما أقر به جوزيف بايدن نائب الرئيس الأميركي الذي أعرب صراحة عن قلقه بشأن مصر أكثر من ليبيا.
ويستطرد علي قائلا إن قلق بايدن بشأن مصر يتعلق بإسرائيل، والخوف من ظهور حكومة ديمقراطية تقوض معاهدة السلام مع إسرائيل.
ويشير الكاتب إلى أن أميركا نجحت حتى الآن في إعادة توجيه مسار العملية السياسية نحو تغيير حذر بقيادة وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان "المقرب من الأميركيين".
ويرى علي أن معظم أركان النظام السابق ما زالوا في مناصبهم، وأن ثمة مفاوضات حثيثة تجري وراء الكواليس بين واشنطن وجماعة الإخوان المسلمين.
كما أن قصف حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ليبيا كان محاولة من الغرب لاستعادة المبادرة الديمقراطية بعد الإطاحة بحكامه المستبدين في مناطق أخرى، غير أنه زاد الأمور سوءا.
ومهما كانت النتيجة، يقول الكاتب، فإن الشعب الليبي هو الخاسر؛ لأن البلاد أمام خيارين، إما تقسيمها وإما سيطرة كاملة للغرب عليها وعلى احتياطها النفطي بعد الإطاحة بالعقيد معمر لقذافي.
ويخلص الكاتب في الختام إلى أن على أميركا أن تدرك البيئة السياسية المتغيرة في العالم العربي، مشيرا إلى أنه من السابق لأوانه التكهن بالنتيجة النهائية، ويكتفي بالقول إن العملية لم تنته بعد.
هبات ديمقراطية أم مواجهات قبلية؟ | |||
|
لفت الكاتب الأميركي توماس فريدمان إلى أن هناك سؤالا ملحا بشأن طبيعة ما يجري في العالم العربي، ويتعلق بطبيعة الثورة، أهي من أجل تحقيق الديمقراطية ضد حكم استبدادي أم مجرد مواجهات قبلية.
واستشهد فريدمان في مقال كتبه في صحيفة نيويورك تايمز بتساؤل طرحه رئيس مكتب صحيفة (تايمز) البريطانية في القاهرة بعد أنباء عن انضمام قائد دبابة إلى ابن عمه في مواجهات بنغازي، قائلا "أهي معارضة ديمقراطية ضد ديكتاتور مستبد أم حرب أهلية قبلية؟"
ويبرر فريدمان تساؤله بأن هناك نوعين من الدولة في الشرق الأوسط، هناك الدول "الحقيقية" ذات التاريخ الطويل في أرض وهوية محددتين، مثل مصر وتونس والمغرب وإيران، ودول أخرى وصفها بأنها "قبائل تحمل أعلاما"، أو دول "مصنوعة" بحدود رسمتها القوى الاستعمارية، وضمت الحدود قبائل وطوائف لم تندمج بعضها مع بعض ولم تتحد في "كيان مواطنة".
وأضاف فريدمان أن هذه القبائل كانت موحدة تحت سلطة قوى استعمارية وملوك وحكام عسكريين، ولا تملك مفهوم مواطنة بالمعنى الحديث، كما أن التداول الديمقراطي مستحيل، لأن كل قبيلة تحكم بمبدأ "احكم أو مت"، أي أن تكون السلطة لقبيلتي أو طائفتي وإلا فنحن موتى.
ورأى فريدمان أنه ليس مفاجئا أن تبدأ الثورات الديمقراطية في الشرق الأوسط في 3 دول "حقيقية"، وهي إيران ومصر وتونس، حيث السكان متحضرون ومنسجمون ويضعون اعتبار الوطن قبل الطائفة أو القبيلة، ولهم قدر من الثقة في بعضهم بحيث يتحركون معا ضد الحاكم، ولكن انتشار هذه الثورات إلى أماكن أخرى جعل من الصعب معرفة هل التحرك يستهدف تحقيق الديمقراطية أم أنه بداية سعي لانتزاع السلطة من قبيلة لصالح قبيلة أخرى.
واعتبر أن العراق قدم نموذجا واضحا عن إدخال الديمقراطية لبلد قبلي كبير كان محكوما بقبضة حديدية زالت فجأة (بيد أميركا في هذه الحالة)، واستلزم الأمر مليارات الدولارات و150 ألف جندي أميركيا ومواجهات طائفية، حيث عرف كل طرف مدى قوة الطرف الآخر، قبل أن يتم الوصول إلى تسوية ديمقراطية رعتها أميركا، وكتب فيها العراقيون دستورهم وعرفوا كيف يعيشون من دون قبضة حديدية.
ويوضح فريدمان أن مساعدة العراقيين على كتابة عقدهم الاجتماعي كان أفضل شيء فعلته أميركا، وهو أفضل تجربة ليبرالية في التاريخ العربي الحديث، لأنها أثبتت أنه بإمكان القبائل أن تنتقل نظامها التقليدي إلى الديمقراطية الحديثة.
لكن فريدمان يستدرك بأن هذا أمل في بدايته، فالعراقيون لم يقدموا جوابا لهذا السؤال "هل كان العراق بما هو عليه بسبب طبيعة صدام، أم أن صدام كان كذلك بسبب طبيعة العراق، أي مجتمع قبلي؟" وكل الدول التي تشهد الآن انتفاضات مثل اليمن وسوريا والبحرين وليبيا، تشبه العراق وبانتظار مواجهات حرب أهلية، وهناك دول محظوظة بحيث يمكن للجيش فيها أن يلعب دورا في مد يد المساعدة للديمقراطية، بينما لا تملك دول أخرى هذه الميزة.
ويؤكد فريدمان أن ليبيا تقف في مقدمة جبهة تشهد سلسلة تغييرات معنوية وإستراتيجية، وقال إنه يثمن جهود الرئيس الأميركي باراك أوباما لمنع حدوث مجازر في ليبيا. وأضاف أنه على الولايات المتحدة أن تكون أكثر حذرا، لأن ما جعل الديمقراطية المصرية قوية هو أن الشبان المصريين تحكموا فيها كما أنهم عانوا في سبيلها.
وكرر فريدمان تحذيره من "تدخل أميركي -على الطريقة العراقية- في ليبيا "خاصة أننا لا نعرف المعارضة في ليبيا، أهي حركة ديمقراطية تقودها القبائل، أم قبائل تستخدم مفردات ومصطلحات ديمقراطية".
واختتم فريدمان مقاله بتذكير الأميركيين بوجوب العمل لمصلحة بلادهم، وإذا كان الرئيس أوباما مستعدا لاتخاذ بعض القرارات الصعبة والكبيرة، فيجب أن تكون لصالح أميركا وليس من أجل ليبيا. ويجب أن يكون أوباما أول من يضع سياسة حقيقية تضعف القذافي وأمثاله وسياسة ميزانية تؤمن الحلم الأميركي لجيل آخر.
إذا كان هذا ما سيحدث بالفعل، فسوف اتبع الرئيس "من سهول مونتيزوما إلى شواطئ طرابلس"*.
(*- من نشيد البحرية الأميركية ويشير إلى المعارك التي
حدثت ضد البحرية الليبية في القرن الثامن عشر).